وما كان ربك نسيًا

كن على يقين بأن كل ما مررت به وما ستمر به مدونٌ عند ملك الملك في كتابٍ لا يضل ربي ولا ينسى , تلك اللحظات التي مررتَ بها وكانت كسنيِ يوسف فمرت وغدت قصصًا و عبرًا تذكرها فتطرقُ عيناك في السماء متعجبًا لجميل لطف الله كيف مضت ومضى معها ألمها وبقي الأجر بمقدار ما تسلحت به من عدةِ الصبر فضلًا ومنةً منه سبحانه .. فيالله كم تفشى كرمه وعظُم حلمه يبتلينا ثم يلهمنا الصبرَ ويجازينا .. فبالله عليك هل بعد هذا الفضلِ فضل , أم هل بعد هذا الكرمِ كرم ؟!

 

يحكى أن ملكً من ملوك الهند طلب من وزيرا له أن ينقش على خاتمه جملةً إذا قرأها وهو حزين فرح، وإذا قرأها وهو سعيد حزن أو ألاّ يُبالغ في فرحه وسعادته، فنقش الوزير على خاتم الملك “هذا الوقت سوف يمضي”.. وسواءًا صحت الرواية أم لم تصح , فهي صحيحة المعنى وحقيقة الدلالة فالأوقات ستمضي الحزينة منها والسعيدة ولن يبقى إلا ما فعلت في الحالين معًا , إن كنت صابرًا محتسبًا في الأولى وشاكرًا حامدًا في الأخرى فهنيئًا لك , وإن كنت عكس ذلك فاستغفر الله عما بدر منك واعتبر في قادم أيامك فالدنيا لا تدوم على حال وسيمضي عليك ما مضى عليك ما مضى على غيرك وستتقلب في أفراح الدنيا وأتراحها وستمضي الأعوام ويتقادم العمر ولن يبقى معك إلا ذلك الشعور الدفين في نفسك وأملك بالله فكن موقنًا بأنك تتعامل مع كريم لا يقدَر عليك إلا ما فيه خيرٌ لك , فهذا الأب – ولله المثل الأعلى – يثبَتُ طفله مع الأطباء ليتلقى مسكنًا وطفله قد ملأ المكان عويلًا وبكاءًا والوالد ماضٍ لا يكترث لعلمه بما فيه مصلحةُ طفله .. فإذا كان هذا بين الوالد وولده , فكيف بما بين الله وعبده ولله المثل الأعلى .. تفكر في حالك وتذكر من كان معك قبل أعوامٍ وأعوام , منهم من ألهته مشاغلُ أيامه , ومنهم من أبعده المرض , ومنهم من حالت بينه وبينك المفاوز , ومنهم من قضى نحبه , ومنهم .. ومنهم .. ومنهم , وما ذاك إلا ليذكر بحقيقةٍ واحد , ألا وهي “الله وحده هو الباقي ” وهو الذي يسمعك إذا أعرض الناس , ويستجيب لك إذا منعك الناس , ويعطيك إذا حرمك الناس , ويرضيك إن أحزنك الناس .. فمن كان معك في كل تلك الأحوال وأكثر , أفلا تثق به وتسلمه أمرك وتمضي وأنت تتمتم ” لو أطلعت على مكنون الغيب لما أختر إلا ما أخترتَ لي يارب الأرض والسموات , فأنا عبدك وأنت أرحم بي من أمي , أنت ملاذي وعليك تكلاني , فلا راد لما منعت ولا معطي لما منعت , وليس في هذا الكون الفسيح من يمنعُ شيئًا قسمتَه لي , فلك الحمد كله إليك يُرجع الأمر كله علانيته وسره , فأنت الخير ومنك الخير ”

 

ومن أجمل ما يصف الحال ويكشف درر المقال ما قاله صفي الدين الحلي واصفًا حالنا مع قضاء الله وقدره :

 

كُن عن هُمومِك معرِضَا

وكِلِ الأمورَ إلى القَضَا

وأبشِرْ بخيرٍ عاجلٍ

تنسى به ما قد مضى

فلَرُبّ أمرٍ مُسخِطٍ

لك في عواقِبِه رِضا

ولربّما اتّسع المَضيـــقُ

وربّما ضاق الفَضَا

الله يفعل ما يشا

فلا تكن متعرِّضا

الله عوّدك الجميلَ

فقِسْ على ما قد مضى

 

نعم عودنا الجميل وما رأينا منه إلا الجميل وما نتوقع منه إلا الجميل فهو الجميل ومنه الجمالُ أصالةً وإليه يُرد كلُ أمرٍ جميل , فقد قال الحبيب صلوات ربي وسلامه عليه “عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ. رواه مسلم.

شارك

ابحث